التعلبم علم له أصول وقواعد معروفة مدونة مضبوطة عززتها التجارب فأصبحت علماً منطبقاً على الحقيقة مبوباً مرتباً. ومن واجب المعلم أن يقف على هذه الأصول ويدرسها فيتقنها ويعرف أغراضها ومراميها ويدرك أن هذه الأصول والقواعد، على ما هي عليه من الصحة تحتاج إلى تعديل وتنقيح الصلاح وتنوع. ومن اجل ذلك يجب على المعلم أن يكون واقفاً على موضوعه كل الوقوف، إذ من العبث أن تنتظر من المعلم الجاهل أن يستطيع نقل حقائق إلى طلابه يجهلها هو بنفسه، أو ليست واضحة عنده كل الوضوح، وآذن فينتظر منه أن يكون ذا استعداد علمي كاف ليس في فرعه فقط، بل في جميع فروع التعليم في المدرسة الابتدائية. ومن واجب المعلم أن يكثر من المطالعة والدرس وأن يكون على اتصال بأحدث الكتب الخاصة بعلمه من جهة، وأن يقف على كتب علم النفس وأساليب الترجمة الحديثة من جهة أخرى. وحري به أن يطالع ما لا يقل عن مجلتين علميتين ومجلة تربوية فتزداد ثقافته وتجدد معلوماته وتنشط أفكاره فلا يتأخر عن سير التقدم العلمي، بل يجاريه ويسير معه.

 

التعليم مهنة لها أصول لا ملجأ للمرتزقين

مر بنا أن التعليم مهنة وأن هذه المهنة تتطلب استعداداً علمياً وأن لها أصولا فنية معروفة. فإذا كان هذا الآمر صحيحاً وهو كذلك، استنتجنا أن صناعة التعليم لا يجوز أن يتولاها إلا أهلها ومن أعدوا لها خصيصاً. أما المرتزقة فلا شأن لهم في هذه المهنة، ويجب أن ينظر إليهم هذه النظرة، وأن من العار على الهيئات التعليمية في أية بلاد أَن يتولى التعليم في مدارسها قوم جهلاء مرضى لا يعرفون من قواعد التعليم شيئاً، وإنما تطفلوا على المهنة تطفلاً وانحصر عملهم في عد الأيام وقبض الراتب، أمثال هؤلاء يجب أن ينحّوا ويتركوا المكان لغيرهم من المدربين الاختصاصيين الذين عاهدوا أنفسهم أن يعيشوا ويموتوا في هذه المهنة. ولا ينتظر كبير نفع من المعلم إلا إذا كان شغوفاً بمهنته منصرفاً إليها بكليته، متقداً بها كل الاعتقاد مؤمناً بها وبطرقها وبنتائجها، موقناً أنه وأن بذل جهداً وقوة ووقتاً، إنما يفعل ذلك خدمة لبني جنسه وقومه والإنسانية جمعاء.

 

سر الصناعة، النزول إلى مستوى الطفل

للأطفال نفسية خاصة تختلف عن نفسية الكبار، ولهم عالم يعيشون فيه هو اقرب إلى الخيال منه إلى الحقيقة، عالم اقرب إلى اللعب منه إلى العمل، عالم واسع التخيل، لا يعرف القيود، يكره العبودية ويمقت الإكراه، يعشق الحرية، ويميل إلى التحرر من كل سلطة، يحب الحركة ويكره الجمود، حريص على شخصيته، يرغب في التعبير عما يخالجه من إحساس وعاطفة، نقّاد يميز بين من يحسن إليه أو يسيء إليه، يفهم المحسوس ولا يدرك المعنويات، يميل إلى القتال طماح نزاع، يحب المعالجة بالأيدي ويلهو بالتبرير النفسي، وقص القصص ورواية الحكايات الخيالية، يتعطش إلى الاكتشاف واستطلاع بواطن الأمور، لا يهدأ له بال ولا يستقر له قرار حتى يشبع استغرابه وتروى دهشته، له إرادة قوية قد تكون حديدية، وتنقلب إلى شراسة فتاكة يذيبها العط واللطف والمعالجة الصادقة الصحيحة مفكّر ولكن تفكيره يختلف عن تفكير الكبار، مدرك ولكن أدراجه غير إدراكهم، يتمشى على قواعد منطقية ولكن منطقه خاص به قد لا يكن صحيحاً أحيانا، طروب لعوب يحب الهواء الطلق ونور الشمس ويكره الظلمة والهواء الكثيف. هذا الطفل الذي يعهد إلى المعلم بتربيته لا يخاطب كما يخاطب الكبار، فعلى المعلم أن يتغلغل في نفسيته ويكلمه على قدر عقله ومداركه. وعبثاً تحاول أن تلقنه العلم تلقيناً فإنك أن فعلت ذلك خشيت أن تشل فيه فعاليته وإنشاءه وإبداعه فاحذر أن ترتفع إلى مستوى أرقى من عالمه، وإياك أن تنزل إلى ما دونه، فالعالم الأول مغلق أمامه، والثاني سهل كل السهل عليه. فعليك إذا أن توفق في طرقك بين جميع ما ذكرناه وبين ما يعهد اليك به.

 

اختيار مادة الدراسة

إِن نجاح مهنة التعليم يتوقف على عوامل كثيرة ربما كان أهمها اختيار مادة الدراسة، ليس لأن مادة الدراسة هي المادة العلمية التي يبني عليها الطالب تفكيره فحسب، بل لأن لمادة الدراسة علاقة بنجاح المعلم في إدارة صفه. وكثير من المعلمين ذوي الشخصيات القوية يفشلون في التعليم لعجزهم عن اختيار مادة الدراسة التي تلائم مقدرة الطلاب العقلية وتتناسب وميولهم ورغباتهم.

 

وإذا ما جاء المعلم يضع مذكرة درسه فعليه أن يقّدر قبل كل اعتبار نوع المادة من الدرس الذي يريد أن يقرره. ومعنى ذلك أن يعرف أي المصادر يرجع إليها لتحضير درسه، فإذا كان يدرس رجال التاريخ للصف الابتدائي الأول، فلا يرجع إلى دائرة المعارف البريطانية مثلاً وإنما يرجع إلى كتب تبحث عن قصص الرجال العظام وسير تواريخهم.

 

ومن المؤسف أن العالم العربي لم ينتبه حتى الآن إلى احتياج صغار الطلاب لأدب خاص. ولهذا فقلما تجد كتباً كتبت خصيصاً للطلاب الصغار. وإذا فواجب المعلم يتضاعف بسبب هذا النقص لأن عليه أن يختار لنفسه الكتب التي يحسن به الرجوع إليها، ويقال مثل ذلك في الجغرافيا، فإذا كان يدرسها للمبتدئين فلا يرجع إلى الكتب المقتضبة والملخصة التي لا تشتمل إلا على حقائق وأرقام جافة، وإنما يرجع إلى كتب الرحلات ووصف البلدان، وهذا النوع يكاد يكون مفقوداً في اللغة العربية ولكنه كثير في اللغات الأجنبية. ولا شيء يقتل مادة الدرس ويجعلها تافهة سخيفة كاعتماد المعلم على مثل هذه المختصرات التي مر بنا ذكرها. وافظع من ذلك كتب الّفت خصيصاً لمنهج التدريس تحوي جميع المباحث، فهذه غاية في السخافة اقل ما يقال فيها أنها تقتل روح البحث والتنقيب في المعلمين وتجهزهم بمادة سطحية تافهة لا كبير فائدة منها في إثارة قوى الطالب الفكرية.

 

فإذا أدرك المعلم أهمية الرجوع إلى المصادر المناسبة كان عليه أن ينظر إلى هذه النقطة الجوهرية وهي، أن مادة الدرس مهما كان نوعها لا يمكن أن تثير التفكير في الطالب إذا لم تكن بدرجة من الصعوبة تستدعي حصر انتباهه وتوجيه فكره إلى حل ما يراد منه حله. ولا شيء يشل التفكير في الطالب أكثر من المادة السهلة التي يعتمد في دراستها على ذاكرته فقط. أو التي يشعر فيها الطالب أنها دون مستواه العقلي. فعلى المعلم اذاً أن يرى ألا تكون المادة صعبة كل الصعبة فتعلوا عن مستوى تفكير الطلاب كما لا تكون سهلة كل السهلة، بل عليه أن يوفق بين هذين الحدين بحيث تكون مادة الدرس فيها من الصعوبة ما يستدعي أعمال فكر الطالب.

 

الرغبة واكتسابها

إن من دواعي الأسف أن يعتقد كثير من المعلمين أن اكتساب رغبة الطالب في موضوع معناه أن يصبح ذلك الموضوع مرغباً شيقاً بالضرورة، وبناءً على هذا الاعتقاد فإن هم المعلم يصبح جعل درسه شيقاً جذاباً. وقد يلجأ إلى توضيح مادة الدرس أكثر من اللزوم، أو إلى حذف النقاط الصعبة فيها، أو إلى ربط مادة الدرس بما هو مشوق الخ.. من الأساليب التي سنبحث عنها في حينها، فيصبح الدرس سهلاً شيقاً، ومع أن هذه الطريقة قد تستحسن في بساتين الأطفال إلا أن تطبيقها في المدارس الابتدائية يأتي بضرر عظيم كما سنبين لك.

كان من نتيجة التشديد على الطلاب في الماضي وإرهاقهم بمواد درس يستحيل عليهم فهمها، أن انقلبت غاية التعليم من تربية الجهود إلى تربية الرغبة عند الطالب. واندفعت أميركا أكثر من غيرها من الأمم في هذه السبيل، وكان من نتيجة هذا أن انحط مستوى التعليم في المدارس الثانوية، وبالتالي في المدارس العالية والكليات هناك بالنسبة إلى أوربا. ونحن وإن كنا نرى أن هذا الأمر ينطبق على بساتين الأطفال إلا أنه لا ينطبق على المدارس الابتدائية والثانوية. نعم إن الغاية من التعليم أن يصبح الطالب راغباً من نفسه في الدرس الذي يتلقاه، ولكن ليس بصحيح أن تكون المادة لاذة مشوقة بالضرورة، إذ أن في الحياة الصعب كما فيها السهل، وكذلك مواد التدريس. فهناك مباحث لا يمكن جعلها شيقة مرغبة، بل هي صعبة. وإذا حاول المعلم جعلها كذلك فإن الغاية الأساسية منها تضيع، مثال ذلك بعض مباحث الحساب والقواعد فهذه صعبة ولا مفر للطالب من تعلمها. واذن فعلى الطالب أن يتعلمها شيقة كانت في نظره أو لم تكن في ذلك الحين، فالغاية إذاً ليست جعل مادة الدرس مرغبة لاذة دائماً، بل أن يعود الطالب أن يجد في نفسه رغبة في معالجة الموضوع. ولا بد له للوصول إلى هذه الدرجة من بذل جهود لا يلذ له بذلها في بادئ الأمر. فالحذر اذاً من نقل ما ينطبق على بساتين الأطفال إلى المدارس الابتدائية والثانوية فإن ذلك يعوّد الطالب معالجة كل ما كان لاذاً شيقاً، فإذا لم يكن الدرس كذلك فإنه يعجز عن معالجته ويفشل.

 

طرق التدريس

للتدريس طرق كثيرة ليس غرضنا أن نأتي على ذكرها بالتفصيل هنا وإنما نقتصر على بعض إرشادات عامة تنويراً للأستاذ وتنبيها له، وسنبحث فيها مفصلاً في غير هذا المكان فليرجع إليها القارئ.

 

إذا كان المعلم مستعداً على درسه عارفاً له، فأسهل ما يكون عليه أن يلقن طلابه تلقيناً على أسلوب المحاضرة فيكون هو الفعّال ويكون الطلاب منفعلين آخذين، وهذا النوع من الدرس وأن انطبق على الكليات والجامعات فهو بالتأكيد لا ينطبق على المدارس الابتدائية والثانوية. ذلك لأن الطالب لا يكون قد وصل إلى درجة النضوج في الفكر والبحث ليستطيع أن يميز لنفسه الغث من السمين أو أن يرجع إلى المصادر الرئيسية فيقابل بينها وبين ما قاله الأستاذ متوسعاً في البحث منقباً. وهذا النوع من الدرس لا محل له في المدارس الابتدائية كما أسلفنا.

 

ويقرب من هذا الأسلوب، الأسلوب القصصي وهو الذي يتولى المعلم فيه قص جزء من الموضوع على أسلوب الحكاية، ويرجع إلى هذا الأسلوب في التاريخ والجغرافيا وحفظ الصحة وما أشبه من المباحث الاستيعابية الثانوية[1]. وقد يرجع إليه المعلم إذا عجز عن استنباط شيء من المعلومات من الطلبة فيضطر أن يتولى بنفسه قص المعلومات. ويجب أن يتلو المعلم ما يريده بلغة واضحة شيقة جذابة. وإذا رجع مصدر ليقرأ منه للطلاب وجب أن يقرأه بهدوء وأن يطلب منهم تفسير ما قرأَه.

 

وهناك الأسلوب الاستقرائي المتدرج ويقابله الأسلوب الاستنتاجي المتدرج ولكلٍ من هذين الأسلوبين مكان ممتاز في المدارس الابتدائية وسنأتي بالتفصيل عليهما، إنما الخطر فيهما أن يصبح التدريس اصطناعياً سطحياً. وسر النجاح فيهما يتوقف على مقدرة المعلم في صوغ الأسئلة وكثيراً ما يبتدئ المعلم بسؤال الطلاب ويكون قد رتب أسئلته قبل الوقت فيجيب عليها الطلاب إجابة صحيحة، غير ان إجابة الطلاب إجابة صحيحة في هذه الحالة، ليست دليلاً على نجاح الدرس لأن الأسئلة قد تكون سطحية لا تحتاج إلى تفكير أو استنتاج أو مقابلة من قبل الطالب.

 

وهناك دروس التمرين والمراجعة وهي الدروس التي يكون الغرض منها أن يتمرن الطلاب فيها على قانون سبق أن درسوه، وقد يلجأ إلى درس التمرين في تدريس الحساب والقواعد مثلاً فيكون المعلم قد رتب قبل الوقت عدداً من الأسئلة متدرجة في الصعوبة يكلف الطلاب بحلها في دفاترهم مسألة مسألة.

 

ولدرس التمرين فائدة عظمى فهو يثبت في الطلاب المبادئ الأساسية التي سبق أن تعلموها، وليس من الضروري أن تخصص حصّة من الحصص لدرس التمرين، بل قد يخصص بعض الوقت الآخر لتعيين درس جديد. ومما يستحسن في درس التمرين أن يشتمل الدرس على مبدأ جديد تطبيقاً للقاعدة الأساسية التي يكون الطلاب قد درسوها، فإذا درسوا الكسر العشري مثلاً، حسن بالمعلم في درس التمرين أن يدخل مبدأ العملة أو القياس ويقال مثل ذلك في القواعد. والمهم في درس التمرين أن يعمل الطلاب وراء قماطرهم هادئين. واذاً فيستحسن أن يكون التمرين خطياً، فإذا دار المعلم على الطلاب استطاع أن يعرف أن كانوا قد فهموا القاعدة فهماً جيداً. وفي إمكانه أن ينوع مسائله القادمة كما يشاء. وإذا شعر المعلم أن الطلاب لم يتقنوا القاعدة، فعليه أن يتولى شرحها من جديد ولا يجوز بحالة من الأحوال أن ينتقل إلى قاعدة جديدة قبل أن يتأكد تمام التأكُّد من أن الطلاب قد أتقنوا القاعدة السابقة. ويصدق هذا على الحساب كما يصدق على القواعد والتاريخ والجغرافيا الخ

 

أما درس المراجعة فله فوائد جمة منها أن المعلم يستطيع في هذا الدرس أن يرجع إلى درسه فيما سبق من الدروس، في أسبوع أو أسبوعين أو شهر. وعلى المعلم أن يلجأ إلى دروس المراجعة هذه كل فترة من الزمن، والغاية منها أن يتمكن الطالب من تلخيص ما درسه واضعاً ذلك في قالب مبوباً له، مرتباً إياه، فيسهل عليه ربط ما درسه في الماضي بما يدرسه الآن ويحصل عنده نظرة عامة موحدة عن الدرس. إن هذا النوع من الدرس يجب أن يكون له مكان في جدول الدروس معين، ويحسن بالمعلم أن يخص المراجعة بحصة منفردة. ويجب أن يعود الطالب ترتيب ما درسه وتلخيص ذلك واختيار الأهم وترك غير المهم.

 

ومن الضروري عند تحضير الأمثلة في درس التمرين أن تكون الأمثلة منطبقة على القاعدة. وعلى المعلم أن يحاذر عدم انطباق المثل على القاعدة فإن مثله مثل من يشرح قاعدة في الطبيعيات، فإذا جاء إلى دور العمل فشلت التجربة، ولا شيء يضعف اعتقاد الطلاب وثقتهم بالمعلم أكثر من أن يروا أن المثل لا ينطبق على القاعدة.

 

ويجب أن ينتبه المعلم عند استماله لوح الحائط، لأن اللوح هو وسيلة للإيضاح والتوضيح وليس للتمرين، فلا يجوز أن يرسل الطلاب إليه واحداً واحداً ليحلوا عليه مسائل حسابية أو تمرينات لغوية الخ.. هذا إذا كان اللوح من الحجم الاعتيادي، أما إذا كانت غرفة الدرس حديثة البناء وكان اللوح محيطاً بالحائط فحينئذ يمكن أن يرج الطلاب جميعهم أو أكثرهم إلى اللوح فيحلوا أعمالا حسابية أو تمارين لغوية الخ ولا يخفى أن الطلاب لا يكونون في أحيان كثيرة على مستوى واحد في المقدرة العقلية أو في سرعة الاكتساب، فبعضهم أسرع من غيره. وبناء على هذا يستحسن أن تعطى تمارين خاصة إضافية للأذكياء السريعين، ذلك إذا كان بيد الطلاب كتب فيعيّن بعضهم حل عملين أو أكثر، في حين أنه يعين للبعض الآخر خمسة أعمال حسابية. وعند تصحيح التمارين كما في الدرس المتدرج، يحسن بالمعلم أن لا يضيع وقته على البلداء المتأخرين، كما أنه لا يجوز له أن يبني درسه على الأذكياء فقط. وقد يجد المعلم أن بعض الطلاب يحتاجون إلى شيء من المساعدة، فأمثال هؤلاء يجب أن يهتم بهم خارج الدرس في أوقات خاصة تعين لهم.

 

مذكرة الدرس. تحضيرها. أهميتها

إن المعلم الذي يعتقد أنه يستطيع أن يدرس ارتجالياً، يخطئ كثيراً في اعتقاده هذا، حتى ولو كان قد سبق له أن درّس الموضوع أكثر من مرة وكان طلابه من المبتدئين. وقد سبق أن بيَّنا أهمية استعداد المعلم على درسه، أما ثمرة استعداده فتتمثل في مذكرة تحضيره التي يجب أن تكون رفيقة له في التدريس وأن تكون عرضة لتفتيش مدير مدرسته أو مفتش التعليم. وبعض المعلمين يكتفون بأن يذكروا عنوان الدرس أو عدد الصفحات، وهذا بالطبع عجز ظاهر ودليل على أن المعلم لا يكلف نفسه عناء تحضر درسه. وعليه فواجب على المعلم أن يهتم بتحضير مذكرة درسه ليكون درسه ناجحاً.

 

وعند تحضير المذكرة. على المعلم أن يقرر في بادئ الأمر الوقت الذي خصص له في جدول الدروس. فالمذكرة التي تستوعب ثلاثين دقيقة غير التي تستوعب خمسا واربعين دقيقة الخ.، ثم عليه أن يوفق بين ما أعطي له من الوقت كل أسبوع وبين منهج السنة ليستطيع أن يلم بجميع المباحث التي طلب منه تدريسها.

 

وقد كانوا في الماضي يحضرون مذكرات الدرس على أساس "درجات هربارت الخمس" وهذه قد أصبحت مبتذلة الآن وقلما تجد معلما يستطيع أن يطبق مبادئها. وتقسم هذه المذكرة من هذا النوع إلى مقدمة، وعرض ومقابلة، واستنتاج، وتطبيق. ففي الدرجة الأولى أي المقدمة، يربط المعلم الدرس الجديد بالقديم ويحضر أذهان الطلاب إلى ما يريد أن يلقيه عليهم، وفي العرض يعرض ما يريد أن يقوله من المعلومات وما يشبهها، وفي الاستنتاج يستنتج قواعد ومبادئ عامة استنبطها من الدرس، وفي التطبيق يطبق ما درس من المبادئ والقواعد على أمثلة من الحياة أو على مظاهر تنطبق على المبدأ أو القاعدة.

 

إن الخوف من تحضير المذكرة على أساس هربارت هو أن يصبح التعليم اصطناعياً سطحيا فتغدو المقدمة سخيفة لا لزوم لها، ويتقيد المعلم بهذه الدرجات فيفقد الدرس حياته ولذته. وقد كان لي الحظ الأكبر وأنا أدرب المعلمين لمدارس فسطين أن أطلع على مساوئ هذا النوع من المذكرة وعلى تأثيرها في سياق الدرس. وكثيراً ما كن ينقلب الدرس إلى مهزلة وسخرية. وكم تمنيت لو كان الدرس تلقينياً محضاً. اذاً لكانت الفائدة اضمن.

 

أما الآن فما على المعلم قبل أن يبتدئ بتحضير درسه إلا أن يفتكر في موضوعه افتكاراً جدياً، ثم يرجع إلى المصادر المناسبة وبعد أن يقرأ ما يستطيع عن الموضوع يقسمه إلى أقسام رئيسية وثانوية، ثم يرتب هذه الأقسام درجة فدرجة واضعاً إياها في الجهة اليمنى من المذكرة. وتؤلف هذه مادة الدرس وتشتمل على أهم نقاطه. ولا داعي هنا للمقدمة الاصطناعية، بل تصبح مقدمة الدرس، هي الدرس السابق أو القاعدة أو المبدأ الذي له علاقة أو ارتباط بالمبدأ أو القاعدة التي يراد تدريسها. فإذا كان المعلم يدرس الحساب مثلاً وكان الموضوع "القسمة" وكانت الدرجة الأولى في الدرس معرفة ما إذا كان الطلاب يعرفون "الضرب" وإذا كان الطلاب يدرسون المفعول المطلق كانت الدرجة الأولى "المصدر". والخلاصة تشتمل الدرجة الأولى على القاعدة أو المبدأ الذي يجب أن يكون الطالب قد درسه أو اختبره ليتمكن من فهم الدرجة الجديدة.

أما القسم الأيسر من المذكرة فيشتمل على الأسلوب، وهذا يتضمن أسئلة تتعلق بالقسم الذي يحاذيه. وعلى المعلم المبتدئ أن يستعد على أسئلته وأن يرتبها قبل الدخول إلى الدرس فإن وضع السؤال فن، يجب على المعلم أن يمارسه في البدء حتى يتقنه.

 

درس الاختبار. كيف تختبر معرفة الطلاب

هذا النوع من الدرس قد يشمل الحصة كلها أو بعضها وقد يُختبر الدرس في أوله أو وسطه أو في آخره، وقد يكون الاختبار شفوياً أو خطياً والقصد من هذا النوع من الدرس إما أن تختبر معرفة الطلاب لتبني عليها درسك، أو تختبرهم لترى صحة تدريسك وعندما تريد أن تدرس مبدأ جديداً يجب أن تتأكد من فهم الطلاب للمبدأ القديم.

 

وخير الاختبارات ما كان خطياً لأنك بواسطتها تستطيع أن تقف على معرفة الطلاب لا سيما في القواعد والحساب إنما يجب أن تكون الأسئلة الاختبارية محدودة لا تتطلب مقدرة في الإنشاء وآلا قلت الفائدة[2]

 

اختيار الأهم

إن قيمة المعلومات تختلف فبعضها مهم وبعضها أهم وبعضها تافه لا فائدة منه. فعلى المعلم أن يدرك ذلك فلا يساوي بينها، بل يفضل الأهم على المهم.

 

فالتدريس عملية حيوية، وبقدر ما تستطيع أن تدخل الحياة في درسك يكون نجاح تدريسك وإفادة طلابك، وإنني لأفضل أن يترك الطلاب يقرؤون في كتب مقررة كتبت خصوصاً لهم، على أن يتولى التعليم معلم جاف لا يملك هذه المقدرة الأساسية. وربما كان تفضيل التعليم الشفهي على الاعتماد على الكتب المقررة في التدريس، يرجع إلى هذه المقدرة التي يستطيع المعلم الحي أن يبعثها في نفوس طلابه.

 

الاختصار مضر بالمبتدئين

يخطئ من يظن أن الاختصار في التدريس للمبتدئين مفيد، بل الأمر بعكس ذلك، فإن التطويل لا سيما إذا كان يشتمل على جزئيات شيقة مرغبة هو عين المقصود. من أجل هذا انتقدنا في غير هذا المكان أكثر الكتب المقررة لا سيما في درسي التاريخ والجغرافيا المتداولة الآن بين أيدي الطلاب لأنها تقتصر على ذكر بعض حقائق لا كبيرة فائدة منها ولا تعطي للطالب صورة ذهنية حقيقية عن الواقع. ومن أجل هذا أيضاً يصبح واجب المعلم في هذين العلمين وما ماثلهما أن يحضر للطلاب مقتطفات أصلية من كتب حول الرحلات والسياحات الخ، وأن يقرأ لهم إياها في الصف فيزيد ذلك في قبول الدرس وتزداد رغبة الطلاب في المطالعة عن الموضوع. وقد رأيت لأحد العلماء رأيا أراه صواباً، إذ قال "لو كنت أريد أن أؤلف كتاباً في التاريخ أو الجغرافيا لطلاب الصف الرابع أو الخامس الابتدائي لجعلته خمسمائة صفحة بدلاً من مائتين، وليس معنى ذلك التطويل الممل، بل معناه الشرح الوافي الذي يقدم للطلاب مادة كافية ملائمة تكون أساسا لتفكيرهم وتخيلهم وسنشرح هذه النقطة شرحاً وافياً فيما بعد.

 

الترتيب. مراعاة الدرجات. تقصير الدائرة

إن تعويد الطلاب الترتيب في أعمالهم أمر أساسي في التربية، ويصدق هذا على الأعمال الخطية في الحساب كما يصدق على الجغرافيا الخ. ومن اجل ذلك فعلى المعلم أن يدقق في عمل الطلاب وأن يعودهم الترتيب في تفكيرهم واعمالهم الخطية أو اليدوية. ويقال مثل ذلك في التدقيق في درجات عمل من الأعمال الحسابية، أو تحليل موضوع تاريخي أو جغرافي. وليس من الضروري أن تسرع في الاستغناء عن بعض هذه الدرجات بل عليك أن تثبتها جميعها حتى إذا ما أتقنها الطالب استطاع فيما بعد أن يقتصد منها بتقصير الدائرة. مثال ذلك في الحساب فإن على الطالب أن يتعلم جميع درجات حل مسألة حسابية في البدء. فإذا أتقن هذه الدرجات اتقاناً كافياً أمكنه فيما بعد أن يقتصر على بعضها مقتصداً في الوقت والعمل.

 

الغاية من التعليم، التربية الذاتية

ليست الغاية من التعليم حشو ذهن الطالب بالمعلومات والحقائق والأرقام فإن هذه من الفوائد الثانوية التي تأتي عفواً. إنما المهم أن تنشئ في الطالب مقدرة على تربية ذاتية. وقد كانوا يعتقدون في الماضي أن الدماغ صفحة بيضاء تنطبع عليها المؤثرات التي تأتي عن طريق الحواس أما الآن فإنهم يعتقدون أن الدماغ فعّال من نفسه وأن المؤثرات التي ترد عليه إنما تثيره للعمل، وهناك مؤثرات خارجية وداخلية وأخرى مركزية وهي الأفكار وهذه تولد أفكارا جديدة. فالغاية من التعليم أن يصبح الطالب وقد تربى ذهنه وتهذب فيصير قادراً على توليد أفكار جديدة، ويستنتج لنفسه استنتاجات خاصة ويقوم بقياسات ومقابلات. وهذه النظرية تصدق على الفكر كما تصدق على الخلق، فإن تقويم التربية الخلقية لا يأتي عن طريق النصائح وقراءة كتب علم الأخلاق، بل بأن يجد الطالب من نفسه وازعاً ومربياً مرشداً.

 

فإذا استطعت أن تنشئ في طلابك هذه المقدرة على التربية الذاتية، فقد جئت بأفضل ما يستطيع المعلم أن يجيء به. ويجب أن يعلم المعلم أن عقول الطلاب تختلف، فهناك عقول شديدة الفعالية إذا أجهزت بالمؤثرات المناسبة استطاعت أن تنمو وتولد أفكاراً مبتكرة منتجة، وهناك عقول أضعف في الفعالية. على أن المهم هو أن نجهز طلابنا بالمؤثرات المناسبة سواء في الحياة الفكرية أو الحياة الخلقية فيستطيعون هم بأنفسهم أن يتلقوا هذه المؤثرات، فيجيبوا عليها بنسبة قوة عقلوهم وقابليتهم للإجابة. وهنا تختلف العقول الجبارة عن العقول الضعيفة وهنا يتبين للقارئ عدم فائدة التلقين، لأن الطالب الذي يلقّن العلم تلقينا يظل عقله منفعلاً في حين يكون المعلم هو الفعَّال، على أن بعض العقول قد تستفيد من التلقين. لكن أكثر العقول لا تستفيد من هذه الطريقة، بل تظل منفعلة آخذه مستقبلة، والتلقين الكثير الذي لا يترك فيه للطالب مجال لأن يبدي رأيه يقتل التفكير ويميت الابتكار. فتجنّب ذلك إن كنت معلماً ولا تفرح إن أجاب الطلاب على أسئلتك إجابة ببغائية، فإن ذلك إنما يفيد أن الطلاب قد أعادوا ما ألقيته عليهم دون أن يهضموه أو أن يصبح جزءاً من الكتلة الذهنية في أدمغتهم. واعلم أن المهم أن تكون أفكارك أنت أساسا لتفكير ذاتي عند الطلاب، فارتك لهم اذاً حرية إبداء الرأي ولا تعترضهم ولا تقيدهم، إذ لا شيء يميت التفكير كالانتقاد الزائد والتقييد، واعتبر أن المهم كل المهم هو الفكر، لا الأسلوب فلا تترك اللب وتتمسك بالقشور.

 

لا تتصنع في التدريس

ليس التدريس عملية صناعية، بل عملية حيوية طبيعية أو نمواً متدرجاً والمعلم يولد معلماً ولا يعمل، فإياك أن تتصنع في تدريسك. نعم أن تفكير الطفل غير تفكير الشاب، ولكن لا تستخف بتفكير الطفل، ولا تقلل من قيمته، ولا تأته عن طرق اصطناعية بل ادخل في الموضوع مباشرة وتمسك بالأسس وانتقل مع الطالب درجة فدرجة.

أَعرف معلماً أراد أن يدرّس الضرب لطلاب الصف الرابع، فابتدأ يسألهم: من يعرف الشارع الفلاني؟ وإلى أين يؤدي؟ إلى أن أوصلهم إلى الشارع الذي تباع فيه الأقمشة، وكان القصد منه أن يصل إلى مقياس الذراع وأن الذراع من القماش يباع بثمن كذا. إن مثل هذه المقدمة الاصطناعية سخيفة ولا لزوم لها، وإن تساهلنا واجزناه في بساتين الأطفال فلا نجيزها في المدارس الابتدائية، ولمَ هذا التصنع الكاذب الذي يكتشفه الطالب فيهزأ منك وهو مضيعة للوقت ليس إلا.

 

قد يفشل المعلم لصوته

هل دار في خلد القارئ أن لصوت المعلم تأثيراً كبيراً في تدريسه وأثراً فعالاً في إدارة الصف؟ ربما كان لهذا العامل الحيوي أثر لا يستطيع المعلم المبتدئ أن يقدر قيمته حتى يجرب ذلك بنفسه. إن الصوت هو هبة طبيعية ولكن التمرين يحسنه. وأول ما ننصح به المعلمين أن لا يعتقدوا أن رفع الصوت مجلبة للانتباه وباعث على فهم الطلاب فإن ذلك خطأ وأي خطأ.

اعرفُ طالباً كنت امرّن على التعليم، وكان في كل مرة يفشل إلى أن نصحته يوما أن يهدئ صوته، ولما جاء الفحص درّس درساً في التاريخ بصوت هادئ حي. فكان لصوته تأثير سحري عظيم على الطلاب ونجح نجاحاً باهراً وكان الطلاب طيلة الوقت كأن على رؤوسهم الطير، يتابعونه نقطة نقطة، ويشتركون معه في البحث. وللصوت الإنساني أثر مهم في ضبط الطلاب وإدارتهم. فالهياج لا يقابل بالصياح وإنما يقابل بالسكون والصوت الهادئ.

ادخل إلى صف مشوش يصيح طلابه ويعربدون وتكمل لهم في هدوء وانظر كيف ينقلب الطلاب هادئين.

أن الصوت الإنساني الرخيم أفعل في النفس من صوت الأوتار الآلية.

الطلاب أصدق مقياس لعمل المعلم، فلا يستخف بهم

هل خطر ببالك أن الخطيب الذي يستخف بسامعيه يفشل. وأن بعض السامعين قد يعرفون عن الموضوع مثل ما يعرف الخطيب نفسه أو أكثر أن مثل هذا يصدق على المعلم الذي يستخف بطلابه. فالطلاب أنفسهم مهما صغرت سنهم. هم اصدق مقياس لعمل المعلم.

ولقد أتاح لي الحظ أن أتولى فحص مئات من المعلمين في فلسطين ومثلهم من طلاب فرع التربية في الكلية العربية، ويمكنني أن أقول إن الطلاب الصغار الذين كنا نطبق عليهم الدروس، ولم يكونوا يتجاوزون الحادية عشرة، كانوا يخرجون بعد كل درس فيقولون (لقد نجح هذا المعلم)، (فشل ذاك) وكان رأيهم ينطبق في اكثر الأحيان على رأي اللجنة الفاحصة المؤلفة من ثلاثة خبراء أو أربعة.

إن هذا الاختبار العملي الذي لا اشك فيه أبدا يصح أن يتخذ دليلاً للمعلمين المبتدئين، فإياك ثم إياك أن تستخف بطلابك مهما صغرت سنهم، واعلم أن الطلاب يراقبونك في حركاتك وسكناتك، وأن المعلم مهما كان قديراً عليه أن يستعد لدرسه، وينتظر من الطلاب أسئلة قد لا تخطر على باله. ومثل المعلم أمام صفه مثل القائد أمام جنده فإن أقل بادرة منه تفقده احترامهم، فإياك أن تضيع هذه الثقة الغالية التي هي أساس ثروتك. وإذا عاملت طلابك فعاملهم باللطف والحسنى وإياك والخشونة، فإن اللطف يذيب أقسى القلوب، أما الخشونة فلا تثمر. وتذرع بالخرم وإياك والخوف فالمعلمون يجب أن يكونوا ابعد الناس عن الجبن، ولا فرق بين القائد في المعركة والمعلم في صفه. والشجاعة صفة أساسية في الاثنين.

 

التأني في التدريس، خير من العجلة

لا عجلة في التدريس، فإن هذه العملية الطبيعية هي عملية لها قوانين ومبادئ، فإياك أن تتعجل عمل الطبيعة، واعلم أن العجلة لا تأتي بالفائدة المطلوبة، ولا بد من مرور فترات بين درس وآخر لتثبيت المعلومات في ذهن الطالب، فإذا أسرعت في تعليمك خشيت أن ينهار البناء الذي بنيته، شأنك في ذلك شأن البنَّاء المعمار الذي لا يتثبت من أساساته فإذا أسرع في البناء انهار من أوله إلى آخره. والمهم أن تثبت المبادئ الأساسية في الطالب فيفهما ويهضمها، وكثير من الناس لاذين يظهرون ضعفاً في الحساب أو القواعد وفهم مبادئ العلوم فيما بعد، إنما يرجع السبب في ضعفهم إلى أنهم لم يتثبتوا من فهم هذه المبادئ من البداية.

 

فهم المبادئ الأساسية أمر لازم في التعليم

لكل علم مبادئ أساسية وهذه المبادئ يجب أن يتقنها الطالب لتصبح جزءاً من كتلته الذهنية، فالقواعد الأربع في الحساب، وفهم القوانين الأساسية في الجغرافيا، كقراءة الخرائط، ومعنى خطوط العرض وعوامل المناخ وتشكل الرياح الخ. ثم نشوء الأمم وتأثير الإقليم في مجرى التاريخ ومراكز الميدان الكبرى الخ.  جميع هذه وأشبهها هي من المبادئ الأساسية التي يجب أن يخصص لها المعلم أكثر الوقت، وواجب أن يتمرن الطالب على هذه المبادئ عمليا، درجة فدرجة، حتى تثبت عنده. 

   نعم إن هنالك ميولا أصلية للأرقام أو الأشكال، أو التحاليل الخ.  ولكن مما لا ريب فيه أن الكره الذي يظهره الطالب للحساب والقواعد مثلا، لا يرجع قسما كبيرا منه إلى نقص في الميل الطبيعي، وإنما إلى إسراع المعلم في بادئ الأمر في شرح المبادئ الأساسية وعدم تثبت الطالب منها، فيظل فهمه لها ناقصا مبهما. 

 

الخلاصة

   والخلاصة أن عمل المعلم يقاس على ثلاثة أسس وهي مادة الدراسة، وأسلوب التدريس، وسلوك المعلم في الصف.  أما المادة فقد بحثنا فيها وقلنا إنها يجب أن تتناسب ومقدرة الطالب الطبيعية بحيث تكون من الصعوبة بدرجة تتطلب إعمال فكر الطالب.  ويجب أن تكون هذه المادة صحيحة غير مغلوطة، لا مبالغة فيها ولا نقصان، وأن تكون مبوبة مرتبة، مشتملة على أهم نقاط البحث.

   أما الأسلوب فإنه يختلف باختلاف الدروس فالعلوم الطبيعية والجغرافية مثلا هي استقرائية في حين أن الحساب والقواعد والهندسة الخ استنتاجية.  وقد يلجأ بالضرورة إلى الأسلوب القصصي في الأولى، فإذا حضر المعلم المادة وكانت مرتبة ملائمة للطلاب صار في إمكانه أن يتفنن في أسلوبه على ما يراه مناسبا. 

 أما سلوك المعلم في الصف، فيشمل شخصيته وهندامه وصوته وكيفية وقوفه الخ.  فالرزانة والحلم، واللطف والبشاشة، والتأني والصبر والحزم، واحترام حرية الفكر، كل هذه من العوامل التي تساعد في نجاح الدرس. 

  وصفوة القول إن مقياس التدريس لا يحكم عليه بالطريقة التي يتبعها المعلم، بل بطريقة تفكير الطلاب، ومقدرتهم على تطبيق ما درسوه فإذا استطاعوا بعد أن يدرسوا القواعد مثلا أن يطبقوا ما درسوه في القراءة والإنشاء كان درس المعلم ناجحا.  وإذا استطاعوا أن يحلوا أعمالا أساسية مختلفة الشكل، ولكنها تشتمل على المبدأ الذي سبق أن درسوه كان الدرس ناجحا أيضا.  وإذا استطاعوا أن يعللوا ظاهرة جغرافية أو حادثة تاريخية ويراجعوها إلى أسبابها الحقيقية كان الدرس ناجحا أيضا، وهكذا. 

   إن بعض المعلمين يعطون العلم مبتورا وهذا نقص، وبعضهم يعطون طلابهم أكثر من اللزوم وهذا نقص أيضا، وبعضهم يعطون الحقائق مغلوطة وهذا خطأ، وبعضهم يشوشون ما سبق أن عرفه الطلاب، وهذا غاية الخطأ، فعليك إذن وأنت تدرس أن تعتبر هذا المقياس وهو: 

إنه يجب أن يخرج الطلاب من درسك وقد تفتحت حواسهم وتنبهت عقولهم إلى طرق التفكير الصحيحة في حل مسألة لغوية أو حسابية الخ، وإياك أن تشوش على الطلاب ما سبق أن درسوه فإن ذلك غاية في الغباوة والخسران. 

 

 


[1] يقسم منهج الدروس إلى قسمين الدروس الأصلية الرئيسية كالحساب، والقراءة والخط، والدروس الاستيعابية الثانوية، كالتاريخ والجغرافيا وحفظ الصحة.

 

مراجع وهوامش


لقد ربط الخالدي ما بين المتعلم ونفسيته وبيئته ومحيطه الاجتماعي؛ فالطفل لا يذهب إلى المدرسة (كصفحة بيضاء) تحتاج من "يسوّدها" بل هو حامل لخبرات اجتماعية تحققت خلال سني عمره الأولى، ولذلك فإن على المعلم أن لا يعمل مع الطفل، وكأنه (مادة خام)، وعليه أيضا أن يضع بالحسبان ما تعلمه الطفل خلال سنوات عمره المبكرة تلك، ويوظفها ويبني عليها، فهي جوهرية من حيث كونها أسسا تنطلق فيها العلمية التربوية من خصائص أفرادها، فـ "هذا الطفل مقيد بما أورثه إياه والداه ومن انحدر منهم، مقيد بعض الشيء ببيئته البيتية، مقيد بوراثته الاجتماعية، وعلى هذا الأساس يبني المعلم تربيته، والمعلم الحاذق هو الذي يستطيع أن يكتشف ما في هذا الطفل من مواهب وقوى، وهو الذي يستطيع أن يروي غرائز هذا الطفل وميوله، وهو الذي يستطيع أن يهذب هذه القوى الجامحة ويوجهها في الطريق اللائق. وعليه وحده بعد البيت وبعد الطبيعة والأم تقع تبعة مستقبل ذلك الطفل"