توطئة

في كل زيارة لبيت أمي وخزاناتها وخلال عملية البحث في أرشيف أبي أعثرُ على وثائق تثير الاهتمام. الأسبوع الماضي عثرتُ على عدد من الكتب المدرسية لأختيَّ، كتبٌ يجلّدها بشكل جيد ومحكم، ويكتب اسم ابنته وصفها بخطٍّ واضح تمامًا، وكأنّه أخذ وقتًا في كتابته. نحن نتحدث هنا عن كتب مدرسية كانت مقررة على طلبة المدارس في زمن الانتداب البريطاني وذلك قبل العام 1948، أمَّا الكتاب موضع الاهتمام الآن، فهو "الجديد في القراءة العربية" وهو ل"سلمى" وهي في صفها الثاني من المرحلة الابتدائية الدنيا. "سلم من مواليد العام 1936، وبهذا تكون في سن الثامنة في العام 1944حينما كانت في الصف الثاني، وكان هذا الكتاب هو مقررها الدراسي

 

ما يهم في هذه الطبعة من الكتاب، وخلافًا لكثير من الطبعات الأخرى والصفوف العديدة التي أعرفها فهو يتضمن في صدره مقدمة تشرحُ الأصول التي بني عليها الجزء الثاني من هذا الكتاب. وهي في الحقيقة مثيرة للانتباه، فهي ليست ذات طبيعة لغوية، بل ذات طبيعة اجتماعية ثقافية نفسية. قد نتفق مع بعضها وقد نختلف مع بعضها الآخر، لكنها في المحصلة النهائية تنبني هذه الأصول على رؤية شاملة للطفل والتعلم، ولذلك ارتأيت إعادة نشرها هنا لأهمية ما يرد فيها من أفكار وملاحظات. وها أنا أنتقل بها من جوارير الأرشيف العائلي المغلقة إلى منصة "تعبير" المفتوحة لأشارككم إياها، لعلها نطور حوارًا نحن في أمس الحاجة إليه فيما يتعلق باللغة العربية وتدريسها. (و.ك)

 

                          A piece of paper with a piece of paper attached to it

AI-generated content may be incorrect.

مقدمة

إذا تمرن التلميذ على القراءة والإملاء في الجزء الأول من الجديد سهل عليه أن يأخذ الجزء الثاني منه.

 

أما الأصول التي بني عليها الجزء الثاني هذا فهي كما يأتي:

1)     أن تكون دروسه حكايات ونكات وأحاديث يسر بها التلميذ، فيغرى بقراءتها، ويتحدث بها، ويكررها، فتنطبع ألفاظها على لسانه.

2)     أن تبنى دروسه على المفردات، فإن من أهم أغراض القراءة في الصفوف الابتدائية توسيع مفردات التلميذ.

3)     ألا يخلو الدرس الواحد من ألفاظ جديدة، على ألا تزيد هذه الالفاظ عن لفظين أو ثلاثة .

4)     أن تترجم الألفاظ الجديدة نفسها، أي أن تؤخذ معانيها من القرينة، وبعبارة أخرى أن يدل سياق الكلام الذي تستعمل فيه على معناها، لأن المعنى الذي يستفاد من القرينة أرسخ في الذهن من المعنى الذي يؤخذ بتفسير كل كلمة على حدة، وأدعى إلى الاهتمام به.

هذا إذا كانت الألفاظ مما يؤخذ معناها من القرينة، وأما إذا كانت من نوع آخر فعلى أن تكون مما يراه التلميذ أو يشمه أو يذوقه أو يلمسه أو يروزه، أي مما يستطيع التلميذ أن يفهمه باختباره الشخصي.. “، لا من تلك الألفاظ التي يُلجأ في فهمها إلى تحديدات القاموس، فهذا الكتاب ليس محلا لها.

               A close up of a book

AI-generated content may be incorrect.

 

5)     أن تتناول دروسه البيت والمدرسة والمدينة والقرية، على غير تنسيق فلا تتوالى الدروس التى من باب واحد بعضها وراء بعض لئلا يتبرم التلميذ بها، وعلى غير استقصاء، فقد اكتفيت فى كل باب ببعض ألفاظه لئلا يصبح الكتاب أشبه بالقاموس منه بكتاب قراءة.

6)     أن يكون متدرجاً من القصة القصيرة الى القصة الطويلة.

7)     أن يصلح للاستعمال في مدارس الصبيان والبنات على السواء، فكل قصة فيه يمكن أن تحول من المذكر إلى المؤنث وبالعكس.

8)     أن يكون الجانب الاكبر من دروسه مما يحتمل المحادثة أو التمثيل فإن ذلك يساعد التلميذ على تكييف صوته على مقتضى المعنى.

الدروس التي تتضمن معلومات مجردة قد تفضي بالتلميذ إلى اعتياد نغمة واحدة لا تعلو ولا تسفل في قراءته.

9)     أن يخلو من الالفاظ التي تدل على طبقات الناس كالملك والامير، والسيد والسيدة، والعبد والجارية، والغني والفقير، ومن الألفاظ التي تدل على عيب في الخلقة كالأعمى والأطرش، أو عيب في الخلق كالأبله والاحمق واللص والمجرم والسكير، ومن ألفاظ الحرب والقتال كالسيف والرمح والمدفع والبندقية والقائد والجندي.

10) ألا يكون طائفياً أي لا ينتمي الى طائفة دون أخرى.

11) ألا يكون محلياً أي لا ينتمي إلى محل دون آخر.

                      A page of a book

AI-generated content may be incorrect.

12) أن تكون تراكيبه سهلة مألوفة، كأن يكون الفاعل قريباً من فعله وأن يكون الخبر قريباً من مبدأه، وأن تكون التوابع قريبة من متبوعاتها وأن يكون الجزاء قريباً من شرطه، لا أن يكون الواحد من هذه المذكورات بعيداً عن الآخر بجملة معترضة طويلة او قصيرة، فإن هذا غير مألوف في كلام الاطفال.

ومن هذا القبيل قولك «هذا ليس شيئاً، فإنه أسهل على التلاميذ المبتدئ من قولك « ليس هذا بشيء، ومثله قولك « لم يجد » أسهل عليه من قولك لم ير، ومثله قولك « ما رجع » أسهل عليه من قولك « لم يرجع» أو « لما يرجع » ومثله قولك "وقف التلميذ ضاحكا » أسهل عليه من قولك « وقف وهو ضاحك .. إلى غير ذلك.

13) أن يكون خالياً من الحشو والمترادفات، مثال الحشو أن تقول مشى فلان على قدميه، أو سرى في الليل، فإن المشي لا يكون إلا على القدمين، والسرى لا يكون الا في الليل، ومثال المترادفات أن تقول دأب فلان على كذا واستمر عليه، فإن الجملة الثانية بمعنى الجملة الأولى.

14) ألا يستوفى فيه الكلام، بل يكتفى بالإجمال دون التفصيل، ليتسع المجال للتلميذ ليسأل أو يفكر.

15) أن تكون دروسه مما يمكن تحويله من حال الى حال: من المذكر إلى المؤنث أو من الغائب إلى المتكلم أو المخاطب، أو من المعنى إلى ضده، وبالعكس في ذلك كله، ليتمرن التلميذ على الإنشاء من جهة، وعلى قواعد كثيرة صرفي ونحوية يقتضيها ذلك التحويل من جهة أخرى، فلا ينتهي التلميذ من الكتاب الا وقد تمرن على الأمرين عفواً.

16) أن يخلو من الأعلام فلا يقال جاء إبراهيم، أو كان سليم نشيطا، أو أثنى الاستاذ على يوسف. لئلا تنصرف أذهان التلاميذ أثناء القراءة إلى معرفة من هو إبراهيم أو سليم أو يوسف، وإذا كان بين التلاميذ من يحمل اسماً من هذه الأسماء وقد ورد اسمه في معرض مدح أو ذم فقد يحسب هو والتلاميذ أنه هو المعني بالكلام.

17) أن تكون روحه عالية، وهذا في نظري أهم ما يجب أن يحرص عليه في كتب القراءة، وأنت إذا تفقدت الكتاب من أوله الى آخره وجدت أن دروسه تدور على الصحة والقوة والنشاط والسرعة والرياضة والنظافة والاستحمام بالماء البارد والصدق والشجاعة وحب العمل والإقبال على الحياة والاغتباط بها والرفق بالحيوان والنزوع إلى الاعلى.

18) أن يكون طبعه جيداً، وأن تكون حروفه كبيرة، بحيث يستطيع التلميذ أن يضع إصبعه على الكلمة.

19) أن يستعمل فيه الترقيم.

20) أن يصلح للاستعمال في مدارس المدن ومدارس القرى.

خليل السكاكيني

 

***

 

مراجع وهوامش


السكاكيني، خليل (1938) "الجديد في القراءة العربية" الجزء الثاني. الطبعة العاشرة . مطبعة الآباء الفرنسيسيين - القدس