أعتذر لتأخري في الرد على رسالتك.

إن حرمان الأطفال من الدراما يشبه حرمانهم من حقوقهم المكتسبة بالولادة. لو كان واضحا ما هي الدراما، وكيف ترتبط بالتعليم، لكان هذا الموضوع غير خاضع للنقاش. 

إن الكائنات البشرية كائنات معقدة. يتحتم علينا كبشر أن نوَّفق بين الحاجات والرغبات، بين العقل والجسد، بين الوعي والانعكاس، بين الذات الشخصية وبين المجتمع، الواقع والخيال، المعرفة والمجهول، التراث والمستقبل، التراجيدي والكوميدي، الاحتفال والحداد، علينا أن نملك القدرة على السيطرة على الحاضر في الوقت نفسه الذي نبقى فيه مُسلّمين للولادة والموت- علينا أن نقوم بكل هذا باستخدام جسدنا الهش وعقلنا المعرض للأخطاء. إن هذا الأمور تتعارض بشكل مصيري، وعلينا أن نحلها بشكل يجعلها صالحة للتطبيق في الحياة. لا يمكن للطبيعة القيام بذلك، لأن الطبيعة تحل مشاكلها من خلال القتل، على الكائنات البشرية أن تسمو فوق الطبيعة، ولا يمكن لها القيام بذلك إلا من خلال إضفاء طابع درامي على حياتهم وعلى ظروفهم. على كل منا أن يضفي طابعاً درامياً على حياته، ولكن علينا أيضا إن نتقاسم حياتنا مع المجتمع، وللقيام بذلك علينا أن نضفي طابعاً درامياً على حيواتنا المشتركة. هذا يخلق الثقافة. 

من الواضح أن الثقافة تسمو على الطبيعة، إن الطبيعة لا توفر الجينات أو الأعضاء وحتى (العقل) الذي يجعل منا بشراً، إننا نقوم بذلك من خلال إضفاء طابع درامي على المتناقضات التي عرضتها. إن الدراما بشكل جوهري هي خشبة الصراع، ولكن في الوقت نفسه، فإننا من خلال الدراما نتوحد مع بعضنا البعض: نحن الجنس الدرامي. تاريخياً، تحولت الثقافات إلى أيديولوجيات تتطلب انصياعا للتماثل والتطابق، وفي الأوقات الحرجة، تطلبت الرضوخ. ولكننا لا نستطيع العيش في الماضي، وكوننا بشراً يحتم علينا أن نتقبل أن الثقافات تتغير. هذا هو الفرق بين التطور وبين التاريخ. 

إن الدراما هي التغيير، وجوهرها يقوم على الإبداع. ولكن الإبداع يتطلب الحرية، ولهذا فلا وجود للحرية من دون الدراما. من المهم التأكيد على أن عمليات الدراما عند الصغار لا يتم تعليمها وصقلها في الشارع. فذلك لا يؤدي إلى بقاء الأصلح، بل إلى بقاء الأقل صلاحية، القسوة والعنف. إن الدراما ليست تسلية- إن قلب الدراما هو المطالبة العنيدة بالإنساني. يستطيع الأطفال والمراهقون مواجهة هذا المتطلب فقط حين يكون جزءاً من العالم المحمي والمتنبه للمدرسة التي تشرف على تعليمهم الكامل. هناك يستطيعون أن يوجهوا صعوبة الكلاسيكيات وأن يتمرنوا على الكيفية التي يستطيعون بها أن يتعايشوا مع تلك الصعوبات في المشاكل اليومية لزمنهم الحالي. 

إن هناك مقاربة مثيرة للسخرية في التهديدات الحالية بإلغاء الدراما من التعليم (في بريطانيا). فالحكومة المحافظة تتخلى عن فلسفة المحافظة- التخلي عن الماضي، وليس فقط عن الإرث، ولكن بشكل أخطر التخلي عن السبل التي خلقها الماضي للحفاظ على الجانب الإنساني في المستقبل. لا يمكن تحقيق ذلك فقط من خلال التعليم والالتزام بمتطلبات التصنيع والسوق- لأنهم يستطيعون أن يلبوا حاجاتنا. 

إن أساس الحضارة هو القدرة على التسامي فوق حاجاتنا وتحقيق طموحاتنا الإنسانية. إن السوق لا يستطيع أن يوفر لنا الخيارات التي تشكل أساس الديموقراطية، فقط الحرية يمكن لها أن تقوم بذلك ولا يوجد حرية دون دراما.

 

 

 

 

مراجع وهوامش


إدوارد بوند/ كاتب مسرحي إنجليزي معاصر

المرجع

The Journal for Drama in Education

Letter - Edward Bond